

ويقتبسُ خليفة، عن إحسان، تبيانه إلى أن الكتاب، لم يكتب «للذين يعرفون أبجدية الفن الشعري، ويرفعون أصواتهم بتهجئتها، وإنما جاء ليكون استيضاحًا أوليًّا في تاريخ النظرية الشعرية وما يتصل بها من طرق النظر إلى القصيدة وإجراء الأحكام عليها»، وهذا ما أكد عليه إحسان، في آخر نسخة من الكتاب أشرف عليها قبل وفاته، والتي طبعت بعد (32) عام من طباعة النسخة الأولى، إذ يبين «إن كتاب (فن الشعر) نافذة صغيرة يطل بها المرئ على التيارات النقدية والمدارس الأدبية في الغرب»، كما يوضح خليفة، ويضيف مبينًا أهمية الكتاب في كونه اشتمل على تطبيقات عملية لبعض مبادئ النقد الأدبي على الأدب العربي القديم والحديث.

كما أشار خليفة إلى الاستلهامات التي يغرف منها الشاعر، لخلق صوره الشعرية، قارئًا عددًا من النصوص التي تستلهم الحوادث التاريخية، وغيرها، مبينًا «إن الشاعر حين يستلهم التاريخ، يضفي عليه ما لديه، ليخلق نصًا مثيرًا لمتلقي، وهو بذلك يختلف عن المؤرخ، حيث يتوجب على المؤرخ أن يروي التاريخ كما حدث فعلاً، أما الشاعر فيحاول استلهام ما يكن أن يكون»، مضيفًا «يعتمد الشاعر على الذاكرة، تلك التي يشكل مخزن للصور على اختلافها، إذ من خلالها يعجن الإبداع، وكلما استطاع أن يمزج هذه الصور المختزنة، واستطاع استدعاها تتالى عليه الصور، حيث تجلب كل صورة صورة أخرى».
وأكد خليفة بأن الشاعر «يبدع لكي يرضي ذاته، فحين يخلق صورة شعرية، مستدعيا كافة الأدوات، من توصيف وتعبير، يشعر بالارتياح، ويتضاعف هذا الارتياح حين يقرأ المتلقي النص، ويشعر هو الآخر بالارتياح، وكأن الشاعر عبر عن ما في دواخله».
واستعرض خليفة مجموعة من المدارس الغربية التي استعرضها إحسان في كتابه، والتي حاولت تفسير ما جاء من أجله الشعر، من الغموض، إلى الرومنسية، إلى الرمزية، وغيرها، مبينًا «بعد شيوع الغموض والغرابة، صار هدف الشعر في هذه المدرسة الابتعاد عن تسمية الأشياء بمسمياتها، وصار الشاعر مطالب بأن يأتي بمعادل يوحي به للقارئ، لمشاركته ما يريد قوله»، بيد أن الغموض جاءت بعده «الواقعية الحديثة»، تلك التي يوضحها خليفة «بالدعوة إلى التعبير عن الواقع كما هو، والاتصال به».
وفي طور كل هذه النظريات الشعرية، اعتقد البعض أن الشعر مسؤول عن التعليم وإصلاح المجتمع، وعلى ذلك يعقب خليفة «أن النظر إلى الشعر بوصفه مصلحًا ومعلمًا للمجتمع، تنافي مفهوم الشعر، فليست وظيفة الشعر أن يقوم بذلك»، لافتًا إلى ما استعرضه الدكتور إحسان في كتابه، بوصفه فنًّا من الفنون الجميلة.
وتعقيبًا على ما إذا تناول الكتاب التجارب الشعرية الحديثة، بعد ثورة الشعر العربي الحديث، بيّن خليفة أن الكتاب صدر قبل بروز المدارس الشعرية الحديثة في السياق العربي، والتي تأصلت في الستينيات من العقد الماضي، موضحًا أن الكتاب اقتصر على تناول النظرية والتوجهات الغربية في الشعر، وسلط الضوء على هذه التوجهات في الشعر العربي قديمه وحدثه.
كما تطرّق خليفة إلى مزاحمة مملكة الشعر بالرواية، مؤكدًا بأن الاستسهال في الكتابة يعم مختلف الأنواع الأدبية، وهذا عائد للعديد من العوامل، «أبرزها ظهور الوسائل الحديثة، التي خلقت نوع من السهولة، بالرغم من أن الكتابة قضية جوهرية وصعبة، تحتاج في أساسها إلى موهبة، إلا أن هناك إغفال لذلك، فالكثير يعتقد بأن الأمر يتم بكل سهولة، متناسيا أن الموهبة ذاتها، تحتاج لتأسيس معرفي، وإلى تجريب، حتى تسمى موهبة حقيقية»، متابعًا «إن الشاعر أو الروائي أو الأديب دون ثقافة لا يعني شيئًا».
وحول دور الشاعر، ومتى ينتهي دوره، أكد خليفة «أن النص الشعري ينتهي بانتهاء آخر كلماته، بل أرى بأنه لا يحق للشاعر أن يدافع عن قصيدته، أو يشرحها، إذ للقارئ حرية تأويل النص، فهو يقرأ النص وفق حالته السيكولوجية، بل إن القراءة تختلف من زمان لآخر، لهذا لا يجب أن يكون للشاعر أي دور عندما ينتهي من إبداع نصه».